كان القديس الأنبا موسى الأسود في حياته الأولي عبداً لقوم يعبدون الشمس، جباراً، قوياً، كثير الإفراط في الآكل وشرب الخمر، يقتل ويسرق ويعمل الشر ولا يستطيع أحد ان يقف في وجهه او يعانده. وكان في أكثر أوقاته يتطلع إلى الشمس ويخاطبها قائلاً: “أيتها الشمس ان كنت أنت الإله فعرفيني”.
ثم يقول: “وأنت أيها الإله الذي لا اعرفه عرفني ذاتك”. فسمع يومًا من يقول له: “ان رهبان وادي النطرون يعرفون الله فإذهب إليهم وهم يعرفونك”. فقام لوقته وتقلد سيفه وأتي إلى البرية. فإلتقي بالقديس إيسيذورس القس، الذي لما رآه خاف من منظره، فطمأنه موسى قائلاً أنه إنما أتى إليهم ليعرفوه الإله فأتى به إلى القديسمقاريوسالكبير، وهذا وعظه ولقنه الأمانة وعمده وقبله راهباً وأسكنه في البرية. فإندفع القديس موسى في عبادات كثيرة تفوق عبادة كثيرين من القديسين، وكان الشيطان يقاتله بما كان فيه أولاً من محبة الأكل والشرب وغير ذلك، فيخبر القديس إيسيذورس بذلك فكان يعزيه ويعلمه كيف يعمل ليتغلب على حيل الشيطان. ويروي عنه أنه كان إذا نام شيوخ الدير يمر بقلاليهم ويأخذ جرارهم ويملأها من الماء الذي كان يحضره من بئر بعيدة عن الدير.
وبعد سنوات كثيرة في الجهاد حسده الشيطان وضربه بقرحة في رجله أقعدته وطرحته مريضاً. ولما علم أنها من حرب الشيطان ازداد في نسكه وعبادته حتى صار جسده كخشبة محروقة، فنظر الرب إلى صبره وأبرأه من علته وزالت عنه الأوجاع وحلت عليه نعمة الله. ثم بعد زمان اجتمع لديه خمسمائة أخ فصار أباً لهم وانتخبوه ليرسموه قساً. ولما حضر أمام البطريرك لرسامته أراد ان يجربه فقال للشيوخ: “من ذا الذي أتى بهذا الأسود إلى هنا، اطردوه”. فأطاع وخرج وهو يقول لنفسه: “حسنا عملوا بك يا اسود اللون”، غير ان البطريرك عاد فإستدعاه ورسمه ثم قال له: “يا موسى لقد صرت الآن كلك أبيض”.
واتفق ان مضى مع الشيوخ إلى القديس مقاريوس الكبير فقال القديس مقاريوس: “أني أري فيكم واحدا له إكليل الشهادة”. فأجابه القديس موسى: “لعلي أنا هو لأنه مكتوب من قتل بالسيف فبالسيف يقتل”. ولما عاد إلى ديره لم يلبث طويلاً حتى هجم البربر على الدير. فقال حينئذ للأخوة الذين كانوا عنده: “من شاء منكم ان يهرب فليهرب”. فقالوا له: “وأنت يا أبانا لماذا لا تهرب؟” فقال: “أنا أنتظر هذا اليوم منذ عدة سنوات”. ودخل البربر فقتلوه وسبعة أخوة كانوا معه، غير ان أحد الأخوة أختفى وراء حصير. فرأى ملاك الرب وبيده إكليل وهو واقف ينتظره، فلم يلبث ان خرج مسرعاً إلى البربر فقتلوه أيضا.
تلك هى قوة التوبة… فقد نقلت عبداً كافراً قاتلاً زانياً سارقاً، وصيرته أباً ومعلماً ومعزياً وكاهناً وواضع قوانين للرهبان ومذكورا على المذابح.. هذا الذي اغتصب ملكوت السموات حقا كما قال الإنجيل: “ملكوت الله يغصب والغاصبون يختطفونه” (مت 11: 12). ويوجد جسد هذا القديس بدير القديسة العذراء “البرموس”. صلاته تكون معنا، ولربنا المجد دائمًا. آمين
من اقوال الأنبا موسى:
+ يستحيل أن نمتلك يسوع إلاّ بالاجتهاد والاتضاع والصلاة المتواصلة.
+ ستة أشياء يتطهر بها العقل: الصمت، حفظ الوصايا، الزهد في القوت، الثقة بالله في كل الأمور مع ترك الاتكال على أي رئيس من رؤساء الدنيا، قمع القلب عن الفكر الرديء وعدم استماع كلام الأغنياء، والامتناع عن النظر إلى النساء.
+ قهر الشهوة يدل على تمام الفضيلة والانهزام لها يدل على نقص المعرفة.