مفهوم القيامة و روحياتها
ان الموت دخيل على البشرية
لذلك نحن نفرح بالقيامة لانها انتصار على الموت و عودة بطبيعة الانسان الى الحياه ، فالله خلق الانسان ليحيا ، لا يموت.
قيامة المسيح هى عربون لقيامتنا جميعا ، لذلك وصفة القديس بولس الرسول بأنه “باكورة الراقدين” (1كو20:15) هو الباكورة ، و نحن من بعده.
و لعل سائلا يسأل كيف يكون المسيح هو الباكورة ، بينما قام من قبله كثيرون؟ اين ارملة صرفة صيدا اقامة ايليا النبى من الموت (1مل 22:17) و ابن المرأه الشونمية اقامة اليشع النبى من بعد ان مات (2مل36:32:4) كما ان هناك ثلاثة اقامهم السيد المسيح نفسه و هم: ابن ارملة نايين ، و ابنه يايرس ، و لعازر.
حقا ان هناك اشخاصا قاموا من الموت قبل المسيح، و لكنهم بعد قيامتهم عادوا فماتوا ثانية . و ما زالوا ينتظرون القيامة العامة. أما قيامة المسيح فهى القيامة التى لا موت بعدها ، و هى الباكورة ، و الشهوة التى يشتهيها كل مؤمن بحب الخلود.
القيامة التى نعينها هى الطريق الى الابدية التى لا نهاية لها.
ان القيامة ترفع من قيمة الانسان و تؤكد ان حياته لا تنتهى بموته.
اذن لعلنا نقول : ان اهم ما فى القيامة هو ما بعد القيامة.
فالقيامة تدل على ان لحياة الانسان امتدادا فى العالم الاخر ، و ان الموت هو مجرد مرحلة فى حياة الانسان أو هو مجرد جسر بين حياتين احداهما أرضية و الاخرى سمائية.
و لاشك أن الحياة الاخرى أفضل بكثير لانها حياة فى السماء مرتفعة عن مستوى المادة ، كما أنها حياة نقية لا توجد فيها أية خطية و فوق كل ذلك فهذه الحياة الاخرى هى عشرة مع الله و ملائكته و قديسيه ، عبر عنها الكتاب بقوله “ما لم تراه عين و لم تسمع به اذن و لم يخطر على قلب بشر ، ما أعده الله للذين يحبونه” (1كو9:2) و لهذا قال ماراسحق:
“ان مخافة الموت تزعج قلب الرجل الجاهل أما الانسان البار فيشتهى لموت مثلما تشتهى الحياة”
ان القيامة غيرت نظرة الناس الى الموت فاصبح مجرد انتقال ، جسر يعبر الى حياة أخرى أو قل هو عملية ارتقاء لذلك صار شهوة للابرار.
لما حدث ان المسيح داس الموت بقيامته ، سقطت هيبة الموت الى الابد ، و لم يعد القديسون يخافون الموت اطلاقا ، كما اصبحوا لا يخافون مسبباته ، كالمرض مثلا ، أو مؤمرات الناس الاشرار و اعتداءاتهم . انما يخاف الموت الانسان الخاطىء الذى لم يتب فيخشى مصيره بعد الموت و الوقوف أمام دينونة الله العادلة.
و الايمان بالقيامة يقود الى حياة البر و الفضيلة.
فهو يؤمن بأنه بعد القيامة سيقف أمام الله فى يوم الدينونة الرهيب لكى يعطى حسابا عن كل اعماله ، ان خيرا و ان شرا ، لذلك يقوده هذا الايمان الى حياة الحرص و التدقيق خوفا من دينونة الله العادلة.
بل ان الايمان الحقيقى بالقيامة يقود الى حياة الزهد و النسك.
القيامة حولت أنظار الناس الى أمجاد العالم الاخر فتصاغرت فى اعينهم المتع الزائلة فى هذا العالم الفانى و من فرط تفكيرهم فى غير المنظور ازدادوا بالمحسوسات و المرئيات و أصبحوا كما قال الكتاب “غير ناظرين الى الاشياء التى ترى بل الى التى لا ترى لان التى ترى وقتية و اما النى لا ترى أبدية ” (2كو18:4)
و لو لم تكن القيامة لتهالك الناس على هذه الحياة الارضية و غرقوا فى شهواتها….
حب الابدية جعل الابرار يشتاقون الى شىء اكبر من العالم و أسمى.
القيامة فيها لون من العزاء و التعويض للناس.
فالذى لا يجد عدلا على الارض عزاؤه أن حقه محفوظ فى السماء عند الرب الذى يحكم للمظلومين.
و القيامة تقدم عزاءا حقيقيا لجميع الاصدقاء و المحبين و اذ تجمعهم ثانية بعد أن يفرقهم الموت.
ان القيامة تعطينا ايضا فكرة عن قوة الله و محبته.
الله القوى الذى يستطيع أن يقيم الاجساد بعد أن تكون قد تحللت و تحولت الى التراب و يعيدها بنفس شكلها الاول و لكن بلون من التجلى و روحانية و نورانية…
انه الله المحب الذى لم يشأ أن يتمتع وحده بالوجود فخلق كائنات أخرى.
و من متع القيامة زوال الشر و و زوال كل ما سببته الخطية.
ففى النعيم الذى يحياه الابرار لا يكون هناك شر و لا الخطية ستنتهى . و نعود الى حياة البساطة الكاملة و النقاوة الكاملة كالملائكة و الاطفال فى برائتهم و تتخلص من النفس من الامراض التى رسبتها عليها الخطية: كالخوف و الشك و الشهوة و القلق و ما شابه ذلك و عندئذ تلبس النفس اكليل البر و تزول منها جميع النقائص نفسية كانت ام جسدية.
المرجع: تاملات فى القيامة “البابا شنودة الثالث”