تحدث التجارب أحيانًا بحسد من الشياطين. وبخاصة في أيام الصوم والتناول والحرارة الروحية.إن كان الإنسان يستعد في الصوم، لكى يسلك سلوكًا روحيًا، فإن الشيطان يستعد أيضًا لمقاتلته ومحاربته، ولكى يسقطه في الخطية أو في الفتور.. أعنى أن الإستعداد هنا متبادل: استعداد من جانب الإنسان للنمو في محبة الله، واستعداد من الشيطان لإسقاطه. إن الشيطان يحزن حينما يجد إنسانًا يسير في الطريق الله.
لذلك أن حلت بك التجارب في فترة الصوم، لا تحزن. فهذا دليل على أن صومك له مفعوله، وقد أزعج الشيطان..بل إن بعدت عنك التجارب، يمكن أن تتساءل: لماذا يتركك الشيطان بدون تجارب؟! هل احتقر أو استصغر جهادك الروحى؟!
أعلموا أن ربنا يسوع يسوع نفسه، حاربه الشيطان بالتجارب في صومه الأربعينى.
لم تكن تجربة المسيح هي فقط الثلاث تجارب التي حدثت في أواخر الأربعين يومًا.وفى هذا يقول معلمنا لوقا الإنجيلى عن السيد أنه “كان يقتاد بالروح في البرية أربعين يومًا يجرب من إبليس” (لو 4: 1، 2) (مر 1: 13). وهذه التجارب لم تذكر وتسجل، إلا أنه بعد إتمامها تقدم إليه المجرب بالتجارب الثلاث. وبعد هذه التجارب الثلاث، لم يتركه الشيطان بلا تجربة، بل يقول القديس لوقا إنه: “ولما أكمل إبليس كل تجربة، فارقه إلى حين” (لو 4: 13).
وعبارة “إلى حين “تعنى أنه عاد إليه مرة أخرى أو مرًارة كثيرة ولعل من أمثلتها، لما تحدث عن صلبه بعد أيام، تقدم إليه بطرس وانتهره قائلا: “حاشاك يا رب.. لا يكون هذا “فأجابه السيد “اذهب عنى يا شيطان. أنت معثرة لى” (مت 16: 21 -23). أي أنالشيطان قدم تجربة على لسان تلميذه بطرس.. وكانت التجربة أن يبعد عن الصليب. ثم عادالشيطان ليقدم نفس التجربة وقت الصلب، ويقول له على لسان اللص الشمال “إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا” (لو 23: 39.( نفس التجربة على لسان المجتازين “خلص نفسك وانزل عنالصليب، لنرى ونؤمن (مر 15: 20، 22). وأيضا “إن كنت ابن الله: فانزل عن الصليب.. فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به” (مت26: 40، 42). حقا، إن النزول عن الصليب هو شهوة الشيطان، وإن كان هذا المصلوب هو ابن الله. والتجارب أيضًا كانت منذ الميلاد. وذلك فيما أثاره هيرودس الملك من حروب ضد هذا المولود، أدت إلى قتل كل أطفال بيت لحم وأدت أيضًا إلى النزول إلى مصر، وما حدث هناك من ضيقات كلما كانت تسقط الأصنام أمام هذا المولود (أش 19: 1(.
التجارب شملت كل حياة المسيح، وكانت لها فوائدهاوفى ذلك يقول الكتاب عنه “مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية “يرثى لضعفاتنا” (عب 4: 15). وأيضًا “في ما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين” (عب 2: 18).
وتجربة المسيح لا تدل على ضعف وإنما تدل على قوته: فهى تدل على قوته، من حيث أنه انتصر على الشيطان في كل تجاربه.. وأيضًا لأنه لولا قوته، ما كان يحاربه الشيطان هكذا.
(قداسة البابا شنودة الثالث)