“ٱلَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ يُقْبِلُونَ.”
تِيمُوثَاوُسَ ٱلْأُولَى 2:4 

قصة حقيقية ذكرها ابينا القديس الأنبا بيمن أسقف ملوي ( كمال حبيب سابقا )
ذات يوم بينما كنت عائدا من منزل أحد المخدومين ( أنا ــ كمال حبيب ــ خادم في الثلاثين من عمري ) ذاهبا إلي بيتي ، الساعة 11مساءا ، مررت في طريق العودة بجانب حانة ( خمارة) ….
( كمال…. كمال….) نظرت ناحية الصوت ، ولكني لم أتبين الشخص الذي يناديني.
( يا كمال ألا تذكرني ؟ أنا رفعت صديقك ) نعم ، نعم ، تذكرته ، إنه رفعت ، صديقي في المرحلة الثانوية ، لقد كنا نجلس معا على نفس المكتب ( تختة واحدة كما يقولون ) و لكن لكم تغير رفعت ! وجه شاحب ، عينان غائرتان ، جسد نحيل ، جلد على عظم كما يقولون ، كان أشبه بجثة تمشي على قدمين ، ما الذي فعل به هكذا ؟
( كيف حالك يا كمال ؟ لقد اشتقت إليك ، هل تذكر عندما كنا في الثانوية العامة وكنت تعظني بكلمات مشجعة ، يا لها من أيام ، أما الآن فأنا إنسان بائس محطم ، لقد رسبت كما تعلم في الثانوية العامة وتركت المدرسة وُطردت من البيت ، والآن أنا لا أفعل شيئا في حياتي سوى الخطية ، 13 عاما في الخطية ، ما رأيك لو دخلت معي الحانة وكلمتني قليلا ؟ فأنا مشتاق إليك ) ، دخلت معه ، فرؤيته في هذه الحالة مزقت قلبي تمزيقا.
( هل تعرف يا كمال ، منذ عشر دقائق سمعت صوتا داخليا يقول لي : أنا أحبك ، أنا مشتاق إليك ، وبعدها وجدتك تمر أمام الحانة ، هل من الممكن أن يكون هذا الصوت هو صوت الله ؟ هل يقبلني بعد كل ما فعلت ؟ هل ؟ )
كنت أستمع إليه ومن داخلي صعدت صلاة إلي الله من أجل هذا الخروف الضال لكي تخترق كلمات إلهي ، التي سيتكلم بها على لساني ، شغاف قلب صديقي رفعت.
( نعم يا صديقي يمكن أن يقبلك ، قد تظن إنها من المصادفة إنك رأيتني الآن ، وقد أظن أنا أيضا كذلك ولكنها ليست مصادفة ، لقد اشتاق إليك يسوع وهو الذي أرسلني إليك اليوم بالتأكيد ، سأذكرك بآية أحبها كثيرا ” الذي يريد أن الجميع يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون” هل تدرك ما معني هذه الآية ؟ إنها تعني إن الله يريد خلاصنا ، يتمنى عودتنا إليه حتى لو كنا قد بعدنا بعيدا جدا ، فإذا رجعنا عن خطيتنا ، نجده منتظرا فاتح أحضانه لنا…..)
واستمر الحديث طوال الليل وعند ظهور أول ضوء للفجر ، كان النور الحقيقي الذي يضيء لكل إنسان قد أضاء قلبه ، لقد ندم على خطيته وشعر برغبة في التغيير ، فوجدته يقول لي : ( أريد أن أعترف الآن )
كان التوقيت غير مناسب ، فنحن في الخامسة والنصف صباحا ، ولكني لما شعرت بتصميمه ، ذهبت معه لكنيستي ، فهناك قداس يقام في السادسة صباحا ، وقد يستطيع الاعتراف قبل القداس ، وطوال الطريق كانت دموعه تنساب.
وصلنا للكنيسة في السادسة إلا ربع ، ولحسن الحظ رأيت الأب الكاهن ، فاستأذنته وأخبرته بالقصة كلها ، كان مترددا قليلا خوفا من أن يتأخر عن صلاة القداس ، ولكنه حسم تردده وجلس معه ، انتظرت في الخارج لمدة 45 دقيقة
وبعدها رأيت رفعت يخرج وعلى وجهه علامات الراحة والرضا والسرور ، ابتدأ القداس بعد تأخير نصف ساعة ، وأعطاه أبونا حلا لكي يتناول ، أما أنا فقد شعرت بأني أرى قصة الابن الضال بكامل تفاصيلها أمام عيني.
و بعد التناول ، أعطيته ورقة مكتوب عليها رقم تليفوني وعنوان منزلي ، حتى يجدني متى احتاج إلي ، شكرني من أعماق قلبه و انصرف لحال سبيله ، أما أنا فذهبت للبيت والنعاس يداعب جفوني بعد ليلة طويلة.
و في الـ12 ظهرا استيقظت على رنين جرس الباب ، فتحت الباب لأجد ضابط شرطة يقول لي : الأستاذ كمال حبيب. جاوبته بإيماءة من رأسي ، فقال لي : ( هل هذه الورقة تخصك ؟ ) ، كانت هي نفس الورقة التي أعطيتها لرفعت ، وقبل أن أجاوب على سؤاله ، استطرد الضابط قائلا: ( لقد وجدناها في جيب شاب صدمته سيارة مسرعة ولم نجد أي بيانات تدل على هويته سوى تلك الورقة)
صرخت في جزع : و ماذا حدث له ؟
قال الضابط : البقية في حياتك.

فعلا ، لقد تاب رفعت في آخر لحظة ، تذكرني هذه الحكاية بتوبة اللص اليمين ، غير أن رفعت لم يكن يعرف إنها آخر لحظة في حياته ، ولكن لماذا ننتظر لهذه اللحظة ؟ كيف سنعرف إنها آخر لحظة ؟