فما هو موضوع المثل إذن ؟ دعونا نفحص المناسبة التى قادت إليه، فإننا بذلك سنتعلم الحقيقة. لذلك فإن لوقا المبارك نفسه قد تكلم قليلاً عن المسيح مخلصنا قبل هذا المثل فقال: ” و كان جميع العشارين و الخطاة يدنون منه ليسمعوه. فتذمر الفريسيون و الكتبة قائلين هذا الإنسان يقبل الخطاة و يأكل معهم” ( لو 15 : 1،2 ). لذلك فلأن الفريسيين و الكتبة أعترضوا على رحمته و محبته للإنسان، و بشر وبعدم تقوى لاموه على قبول و تعليم الناس الذين كانت حياتهم مدنسة، فكان من الضرورى أن يضع المسيح أمامهم هذا المثل، ليريهم هذا الأمر ذاته بوضوح: إن إله الكل يريد من الإنسان الثابت و الراسخ، و الذى يعرف أن يعيش حياة مقدسة وقد وصل إلى ما يستحق أعلى مديح لأجل تعقله فى السلوك، يريد من هذا الإنسان أن يكون مخلصاً فى اتباع مشيئته، لكى حينما يُدعى أى واحد إلى التوبة حتى إن كان من الذين يعيشون حياة ملومه جداً، فإنه ينبغى بالحرى أن يفرح و لايكون عنده غيظ مضاد للمحبة من جهة التائبين
لأننا نحن أحيانا نختبر شيئاً من هذا النوع لأنه يوجد البعض الذين يعيشون حياة كاملة مكرمة ثابتة، و يمارسون كل نوع من أعمال الفضيلة، و يمتنعون عن كل شئ مخالف لشريعة الله، ويتوجون بمديح كامل فى نظر الله و الناس. بينما البعض الاخر ربما يكونون ضعفاء عاثرين، ومنحطين إلى كل نوع من الشر و مذنبين بأفعال رديئة، محبين للدنس و الطمع و ملوثين بكل أثم، و مع ذلك يحدث كثيرا أن يرجع هؤلاء إلى الله فى سن متقدم و يطلبون غفران خطاياهم السابقة: إنهم يصلون لأجل الرحمة، ويتركون جانبا استعدادهم للسقوط فى الخطية، و تشتعل فيهم الرغبة للحياة الفاضلة، أو ربما حينما يوشك بعضهم على الأقتراب من نهاية حياته، فأنه يطلب المعمودية الإلهية و يغتسل من خطاياه تاركا شروره، فإن الله يكون رحيماً بهم. و قد يحدث أحيانا أن يتذمر بعض الأشخاص من هذا، بل ويقولون “هذا الأنسان الذى كان مذنباً بكذا وكذا من الأعمال الشريرة، وقد تكلم بكذا و كذا من الكلمات، هذا الإنسان لم يف دين سلوكه الردئ أمام قاضى العدل، بل أنه حُسب أهلاً لنعمة سامية وعجيبة وقد حُسب بين أبناء الله، وكُرم بمجد القديسين”.مثل هذه الشكوى ينطق بها الناس أحياناً نتيجة ضيق العقل الفارغ. وشكواهم لا تتفق مع غرض أب الجميع. لأن الآب يفرح فرحاً عظيماً حينما يرى الذين كانوا ضالين يحصلون على الخلاص، وهو يرفعهم ثانية إلى ما كانوا عليه فى البداية، معطياً لهم ثياب الحرية مزنياً إياهم بالحلة الأولى، ويضع خاتماً فى يدهم، و يعطيهم السلوك المرتب الذى يرضى الله و يناسب الأحرار. لذلك فإن واجبنا ان نخضع انفسنا لما يريده الله، لأنه يشفى الذين هم مرضى، وهو يرفع الساقطين، ويمد يده بالمعونه للذين يعثرون، و يرد إليه الذين ابتعدوا عنه، وهو يُشكل من جديد فى شكل حياة ممدوحة وبلا لوم أولئك الذين كانوا يتمرغون فى وحل الخطية، أنه يفتش عن أولئك الذين ضلوا، وهو يقيم من الموت الذين كانوا يعانون من الموت الروحى. دعونا نفرح أيضاً، هيا نفرح، مع الملائكة القديسين ونسبح الله لأنه صالح ومحب البشر، لأنه رحيم و لا يذكر الشر، لأنه إن كنا نفكر هكذا فالمسيح سوف يقبلنا، الذى به ومعه لله الآب كل تسبيح و سيادة مع الروح القدس إلى دهر الدهور. آمين.
0 Comments