‎فى ليلة من ليالى البرد القارصة جمع حطاب أثناء سهرة قطع من الخشب لكى يستدفء بها ، وعندما علمت تلك الخشبة التى فى الغابة الملقاه وسط قطع الخشب مصيرها توسلت وهى باكية محدثة الحطاب بأن يرحمها ويتركها ولكنه كان ذو قلب غليظ قاسى .
‎فأجابها بالرفض معللاً ذلك لأنها عديمة المنفعة ، وأكثر ما يمكن أن يستفاده منها هو أن يستدفئ بها فى تلك الليلة القارصة البرودة . وفى ذلك الوقت تصادف مرور شيخاً مسناً ذو لحية بيضاء طويلة مسترسلة على صدره ، ووجهه مهيب ووقور وقد سمع توسلات الغابة وتنهداتها ورأى دموعها . فتقدم ذلك الشيخ إلى الحطاب وطلب منه تلك الخشبة، فأمتنع الحطاب أولاً بحجة أنه سوف يستدفئ بها. ولكن ما أن عرض عليه الشيخ مبلغ من النقود مقابل الخشبة عديمة الفائدة فى نظره قبل العرض لتوه . لكنه تساءل متحيراً كيف يدفع هذا الشيخ هذه النقود فى تلك الخشبة عديمة الفائدة ؟ أما الشيخ فأخذ الخشبة ولم يمشى ولكنه جلس بجوار الحطاب وأخرج من جيبه سكينة صغيرة ، وبدأ يقشر ما عليها من قشور ، وفرغ ما بداخلها من حشو ، وثقب فيها عدة ثقوب . هذا كله حدث أمام الحطاب الذى كانت نظراته تلاحق وتتابع فى دهشة و إستغرب عمل ذلك الشيخ . أما الخشبة فكانت تبكى متألمة طالبة الرأفة من الشيخ الذى قال لها لو تركتك ومضيت حتما ستقعى فى يد من لا يرحمك ويكون مصيرك كالهباء وقال لها أيضاً تحملى قليلاً فإن هذه الألام تؤول لمنفعتك . إستمر الشيخ فى عمله إلى أن إنتهى منه ونظر إلى الحطاب الذى كان مذهولاً مستغرباً لما يحدث ، وأخذ شهيقاً طويلاً وادخل السكينة إلى جيبه مرة أخرى ، وبدأ الشيخ يضع أطرف انامله على الثقوب التى فى الغابة وبدأ يرفع فوهتها إلى فمه ثم نفخ فيها وهو يحرك أصابعه ويلاعبها على الثقوب وكانت دهشة كبيرة جداً قد أصابة ذلك الحطاب عندما سمع تلك النغمات المبدعة التى سرعان ما استوقفت المارة وجمعت شتاتاً من الناس أتوا على صوت أنغام الخشبة ووقفوا فى إنصات عجيب أمام السيمفونية الرائعة التى عزفها ذلك الشيخ . وهم يتطلعون إلى ملامحه وإلى لحيته البيضاء . وما إن انتهى الشيخ من عزفه حتى صفق له الجميع وإنحنوا له فى إعجاب . ومنهم كثير من أرادوا شراء ( الخشبة ) ليست خشبة بعد أقصد المزمار وبمبالغ كثيرة ..
‎فى ذلك الحين نظر الشيخ إلى الحطاب وقال له أمازلت متعجباً بسبب ما دفعت لك ثمناً لهذه الخشبة حقاً إنها فى يدك لا قيمة لها لكن انظر كم تكون قيمتها الآن ؟