“فخرجوا من المدينة و أتوا إليه” (يو4 : 30).
أظهر السامريين أنفسهم مرتفعين فوق حماقة اليهود، و بالطاعة انتصروا على جهل اليهود المتأصل فيهم. إذ أصغوا إلى معجزة واحدة فقط، فأسرعوا مهرولين إلى يسوع، دون أن يكون الأنبياء القديسون قد سبقوا قبلاً و أقنعوهم بأصواتهم، أو بإعلانات موسى و لا حتى بشهادات يوحنا الفعلية، بل أخبرتهم عنه إمرأة واحدة فقط، كانت خاطئة.
“وفى أثناء ذلك سألة تلاميذه قائلين: يا معلم كُل” (يو4: 31).
نجح الإنجيلى الإلهى بشكل فائق للغاية فى وضع هذا الكتاب، ولم يحذف شيئاً يعتقد أنه يمكنه أن ينفع القراء. اسمع اذن كيف يقدم يسوع مره أخرى كمثال لفعل جدير بانتباهنا جداً.لأنى لا أظن أن شيئاً ما قد وضع هكذا عبثاً فى الكتب المقدسة، لكن ما يحسبه أى أحد أنه ذو شأن قليل، يجده أحياناً مملوءاً بنفع لا يمكن ازدراؤه. وإذ قد بدأ السامريون يتحولون ويبحثون عنه: لهذا قصد قصدا كاملا و مطلقا خلاص أولئك المدعوين، فلم يول الطعام الجسدانى اهتماماً، بالرغم من أنه “قد تعب من السفر” (آيه 6) كما هو مكتوب: وبهذا أيضاً ينفع المعلّمين فى الكنائس، أن يستخفوا بكل تعب، و أن تكون لهم غيرة عظيمة لأجل خلاص الآخرين، أكثر من اهتمامهم بأجسادهم. إذن لكى نعرف نحن أيضاً أن الرب كان قد اعتاد أن يجول دون طعام فى مثل تلك الأوقات، نرى الإنجيلى يقدم لنا التلاميذ وهم يترجون الرب، أن يأخذ ولو قليلاً من الطعام الذى أحضروه، كطعام ضرورى لا غنى عنه، لأنهم كانوا “قد مضوا إلى المدينة ليبتاعوا طعاماً” (آيه 8)، وكانوا قد أتوا به الآن فعلاً. فقال لهم “أنا لى طعام لآكل، لستم تعرفونه أنتم”.صاغ المخلص إجابته بحذق مما كان أمامه. إذ كان يتكلم بشكل سرى. فلو كانوا قد عرفوا أن تحول السامريين أوشك أن يتم، لكانوا قد طلبوا إليه بالحرى أن يتمسك بأمر أكثر رفعه من طعام الجسد.ومن هذا أيضاً نعرف مقدار حبه العظيم نحو الإنسان: لأنه يعتبر رجوع الضال إلى الخلاص هو طعامه ولذته.
+
ولإلهنا كل مجد و كرامة الى الأبد آمين.