في يوم شديد البرودة سار الصبي في شوارع المدينة ممسكا بيد شقيقته الصغيرة التي لم تتجاوز الثامنة. واذا نظرت اليها دلتك ملابسها على ما هم عليه من فقر مدقع ومع ذلك فقد كانا نظيفين وشكلهما العام يدل على تربية منزلية حسنة .
ولما دخلا بيتهما المتواضع في أحد الأزقة. قال صوت لطيف “ها انت يا ابني شارلي يا ولدي تعال الى هنا”.
دخل شارلي واقترب من فراش امه حيث كانت ثم أكملت حديثها قائلة: “ألم تنجح في الحصول على عمل”؟
لا يا والدتي اذ لا يرغب أحد في استخدام صبي مثلي.
وقد قطعنا انا واختي دوت شوارع المدينة بحثا عن عمل لكن بدون جدوى. والنتيجة يجب علينا ان تستعطي ونتسول او نهلك جوعا.
لقد ذهبنا من مخزن الى آخر الى ان تعبنا. وأخيرا دخلنا كنيسة حيث عقد اجتماع وسمعنا المبشر يقول “ارم خبزك على وجه المياه”
فقلت في نفسي الأفضل إعطاء الخبز لأناس فقراء نظيرنا لا ان نرميه على وجه الماء.
فقالت له أمه موضحة له “انك لم تفهم يا شارلي” وهنا قاطعتها دوت الصغيرة قائلة ” ماما … هل يعني ذلك ان الرغيف إذا رميناه في المياه يعود الينا رغيفا أكبر”.
نعم يا عزيزتى يعني ان الذي نعطيه للرب يرده لنا ثانية مئة ضعف . أما دوت فلم تقل شيئاً ، لكنها كانت تفكر طول مدة بعد الظهر في كل ما سمعت ، وفي المساء صنع شارلي فنجانا من الشاي لأمه، وكان آخر ما عندهم.
وبعد ان أكل كل منهم قطعة من الخبز، بقي لديهم كسرة صغيرة في الدولاب ولم يكن معهم نقود . وبعد خروج شارلي ذهبت دوت الى الدولاب وأخذت كسرة الخبز وخرجت وكانت أمها نائمة .
ولم تكن دوت تعرف اين تجد المياه فسألت سيدا مارّا بجانبها “من فضلك سيدي … أين يمكنني ان أجد مياه كثيرة؟” فأجاب “هل تعنين النهر يا عزيزتي؟” قالت دوت “نعم يا سيدي لكن ما الذي يستدعي فتاة صغيرة مثلك للذهاب الى النهر في يوم شديد البرودة مثل هذا اليوم ؟ الأفضل ان تذهبي الى منزلك .
لا يا سيدي يجب علي ان ارمي الخبز في المياه أولا ثم يعود الينا أكثر. واستمرت في سيرها.
أما السيد فبدافع حب الإستطلاع والفضول تبع الفتاة الصغيرة وسار وراءها على مسافة قصيرة . وصلت دوت الى النهر . وكان السيد متخفيا وراء عمود من خشب . ثم أخذت كسرة الخبز و صلّت قائلة : أرجوك يا رب هذا كل ما نملك من الخبز وليس لدينا غيره للفطور. فان كانت المئة القطعة التي ستردها ستطول مدتها ، فارسل شيئا من النقود الى شارلي ليشتري لنا خبزا ارسل يارب الى منزل دوت هورن في حارة توماس لأجل خاطر يسوع آمين”
ثم رمت كسرة الخبز على المياه. إذا قلنا ان الرجل تأثر تأثراً بالغاً ، لما انصفنا عواطفه ، فقد مسح الدموع عن عينيه وتبع الصغيرة دوت وهي عائدة الى المنزل ، حيث قابلت دوت شقيقها شارلي وكان يبحث عنها بالقرب من المنزل وبينما كانت بين ذراعي والدتها، أجابت دوت ردا على استفهام امها اين كانت وختمت حديثها بقولها لما رايت انه لم يكن في الدولاب الا قطعة صغيرة من الخبز فكرت في الذهاب الى النهر لرميها فيه لكي يرد لنا الرب بعد برهة مئة ضعف”.
أما والدتها فقد تأثرت وفاضت الدموع من مقلتيها الى وجنتيها ولم يسمح لها قلبها بتأنيب الفتاة لأجل ايمانها البسيط مع علمها بأن الدولاب اصبح الآن فارغا وليس من يدبر خبزا لها للغد .
قالت دوت “لا تبكي يا اماه لا بد ان الله سيرسل لنا لأنى سمعت ذلك في الكنيسة”.
وفيما كان شارلي يشعل المصباح ليجلس بالقرب من السرير ويبدأ في قراءة الأجزاء اليومية من الكتاب المقدس قبل النوم ، سمع قرعا على الباب. وقبل ان يذهب لفتح الباب دخل البيت رجل ووضع سفطا كبيراً على الأرض وخطاباً ، وخرج بدون ان يفوه بكلمة واحدة مما استغرب له الجميع. وخرج شارلي الى الباب للبحث عن الرجل فلم يراه او يجد له أثراً. نظر الى السفط وفحصه فرأى عليه بطاقة مكتوب عليها “الى دوت هورن، خبزها المرتد لها من المياه ولما فتحوا السفط وجدوا خبزاً ودجاجة وكمية كبيرة من انواع البقالة وكيسا من الدقيق. فتناول شارلي الرسالة ووجدها معنونة باسمه
“الى السيد شارلي هورن لقد عينتكم مخازن جون لينوكس وشركاه ساعياً للبريد الخاص بالشركة”.
كان هناك شكراً حاراً لله في تلك الليلة ، داخل ذلك البيت المتواضع اما ذلك السيد المحسن الذي تبع دوت فقد جمع الإستعلامات الكافية عن العائلة من الجيران ووضع في قلبه ان هذا الإيمان العظيم يجب ان لا يبقى بدون مجازاة والآن … اصبح شارلي على مرور السنين شريكا في المؤسسة. ووالدته استردت صحتها وتعافت .
وكلاهما ينسبان نجاحهما الى ايمان دوت الصغيرة لأن “كل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه” (متى 21:22)