ولما جاء اليوم الاول من الفطير الذي كان ينبغي أن يذبح فيه الفصح أمر يسوع اثنين من تلاميذه أن يذهبا ويعدا الفصح ليأكله معهم جميعاً كما هو واضح فى أناجيل متى ومرقس ولوقا وبعد الظهر توجه الي المكان الذى أعد التلاميذ فيه الفصح فى بيت معلمنا مرقس الانجيلي كما يخبر التلميذ وكما يظهر لنا من نفس انجيله ثم أن اليوم المشار اليه هنا هو اليوم الرابع عشر من نيسان الذى كان اليهود يكفون فيه عن الشغل عند الظهر ويخرجون كل مختمر من البيوت ثم بين العشائين أو بين العصر والغروب يذبحون فيه خروف الفصح  ومتى ابتدأ مساء اليوم الخامس عشر كانت الاستعدادات لذلك تصنع فى اليوم الرابع عشر، ولهذا السبب كان  يدعى هذا اليوم ” اليوم  الاول من الفطير” وبعد ظهر يوم الخميس رجع مخلصنا له المجد مرة أخرى الى أورشليم لا الى الهيكل ومعه تلاميذه ليأكل الفصح وهو العيد العظيم عند اليهود الذى أمروا بعمله فى الاصحاح الثانى عشر من سفر الخروج.

“والفصح” كلمة عبرانية معناها العبور يقصد بها عبور الملاك المهلك عن بنى اسرائيل حين قتل أبكار المصريين. وكانت مدة العيد سبعة أيام تبتديء من اليوم الخامس عشر من شهر نيسان وتنتهي في الحادى  والعشرين منه وكان محتماً على اليهود بمقتضى الناموس ان لا يأكلون فى هذه المدة سوى الفطير ولذلك سمى بعيد الفطير. ويقتضى فى ممارسة الفصح خمسة أمور
الاول: ذبح الخروف
الثانى: رش الدم على قائمتى الباب وعتبته من بيت االمعيد
الثالث: شي الخروف صحيحاً من دون ان يكسر منه عظم وفى ذلك رمز إلى الام السيد المسيح من أجلنا
الرابع: أكله مع الفطير والاعشاب المرة
الخامس: عدم ابقاء شىء منه الي الصبح
وكان من عوائد اليهود أن يقسموا أنفسهم في أكل خروف الفصح إلى جماعات كل منها لا تقل عن العشرة أشخاص ولا تتجاوز العشرين شخصاً. فأن لم يبلغ سكان البيت الواحد العشرة أشخاص اشترك بيتان فى خروف واحد وكان كل جماعة تنيب عنها واحد ليحضر الخروف إلى دار الهيكل ويساعد أيضاً اللاويين على ذبحه ثم ينقل ما يذبح إلى البيت الذى يقصدون أن يأكلوه فيه حسب الشريعة وقد قام بذلك في الهيكل هذه المرة بالنيابة عن مخلصنا وتلاميذه بطرس ويوحنا. وأعدا الخبز والخمر والاعشاب المرة وكل ما هو ضرورى لاعداد الفصح. ولم يفهم التلاميذ المكان الذى سيأكلون فيه الفصح ولذا سألوه عنه فأرسل اثنين منهم وأعطاهما علامة يميزان بها صاحب ذلك البيت وهو انسان حامل جرة ماء. وكان لمخلصنا حكمة في اخفاء معرفة المكان عن تلاميذه إلى تلك الساعة حتى لا يتمكن يهوذا من أن يعلم جماعة اليهود به فيقبضوا عليه ويحفظوه عندهم إلى ما بعد العيد. فاطلع بطرس ويوحنا فقط على ذلك. ولما أعدا كل شئ وجاءا به. ذهب هو وتلاميذه الذين لم يكونوا يعرفون المكان حتى دخلوه فاكلوا الفصح هناك وكان لليهود عادة أن يشربوا على العشاء أربع كؤوس من خمر حمراء ممزوجة بماء قليل الاولى منها كانت استفتاحية فيأخذها رئيس الجماعة ويباركها قائلا: فليكن الرب مباركاً الذى أبدع ثمرالكرمة. وكانت تدعى كأس المرارة وهى كأس المذكورة فى لوقا وعلى أثر ذلك كانوا يغتسلون وهذا الاغتسال كانوا يشيرون به الى عبوراسلافهم البحرالاحمر. ثم يتقدمون الى المائدة لاكل ما قد أعد عليها من الاعشاب المرة و الفطير والخروف المشوى والمرق المصنوع من البلح واللوز والتين والزبيب والخل والقرفة وغيرها من البهارات. وحينئذ يأخذ رئيس الجماعة شيئاً من الاعشاب ويغمسه فى المرق ويأكله شاكراً الله الذى أبدع خيرات الارض فيجاوبه باقى المتكئين آمين. وعقب ذلك يتقدم ولد ويسأل والده عن سبب حفظ هذه الفريضة فيجيبه على ذلك أن ذبح الخروف هو تذكار لمرور الملاك المبيد أمام بيوت العبرانين ولم يؤذهم. والفطير يشير الى خبز الشدة الذى أكلوه فطيراً وقت هروبهم من أمام فرعون والاعشاب المرة رمز إلي العبودية التى كابدوها بمصر. والمرق المختثر يمثل بلونه وخثورته طين مدينتى فيثوم ورعمسيس اللتين بناها أسلافهم لفرعون بالتسخير ثم يقولون الجزء الاول من التسبيح وهو المزمور 113 و114 وبعد ذلك يشربون الكاس الثانية التى يدعونها بكاس الفرح و يطلبون البركة على كل نوع من الطعام فيأخذ الرئيس الفطير ويكسره و يوزعه على المتكئين فيأكلونه بعد أن يغمسوه هو والاعشاب بالمرق حتى ينتهي. وأحياناً يغمس الرئيس الكسر فى الصحفة كما فعل مخلصنا له المجد وناولهم. ومتى فرغوا من ذلك يأكلون خروف الفصح ولم يبقوا منه شيئاً ولا يأكلون بعده طعاماً آخر. ثم يقدمون تشكرات ويشربون الكاس الثالثة التى تدعى كأس البركة ثم يرتلون ما بقى من ترنيمة التسبيح وهي ليس لنا يارب ليس لنا لكن لاسمك أعطى مجداً ويشربون الكاس الرابعة التى كانوا غالباً يختمون بها الاحتفال. وأحياناً كانوا يشربون كأساً خامسة بعد ترنيمة التسبحة العظيمة المحتوية علي سبعة عشر مزموراً وهى من مزمور 120 إلى مزمور 136. وقد حدثت فى هذا الوقت مشاجرة بين التلاميذ فيمن يظن أن يكون الاول والاعظم وحاول كل واحد منهم أن يجعل نفسه الاول. فأنبهم يسوع علي تلك الافكار الباطلة فقال لهم ملوك الامم يسودونهم والمتسلطون عليهم يدعون محسنين وأما أنتم فليس هكذا. بل الكبير فيكم  ليكن كالاصغر والمتقدم كالخادم وفى الحال قد قام بعملية غسل أرجل التلاميذ واحداً واحداً. أما بطرس فاستعظم هذا الامر الكبير ورأى نفسه انه لا يستحق هذا الفعل العجيب فقال لسيده لن تغسل رجلى أبداً فأجابه يسوع إن كنت لا أغسلك فليس لك معى نصيب. فخاف بطرس وقال ياسيد ليس رجلىّ فقط بل يدى ورأسى وبعد ذلك أنبأهم بخيانة يهوذا بقوله أن واحداً منكم يسلمنى يقصد به يهوذا الذى إذ أخذ اللقمة بغير استحقاق دخله الشيطان. فقال له يسوع ما أنت تعمله فأعمله بأكثر سرعة فقام فى الحال ومضى إلى اليهود ليسلم لهم سيده بالارشاد عليه والاشتراك معهم فى القبض عليه أيضاً مقابل اعطائه ثلاثين من الفضة أى ثلاين شاقلاً من الفضة والشاقل يساوى ثلاثة عشر قرشاً ونصف قرش من النقود المصرية فيكون المبلغ الذى أخذه أربعمائة وخمسة قروش وهذه القيمة كانت ثمن العبد فى ذلك الوقت فبيع السيد المسيح للموت كعبد لكى يحررنا من نير العبودية المرة وتنبأ زكريا عن ذلك بقوله إن حسن في أعينكم فاعطوني أجرتي وإلا فامتنعوا. فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة فما أعظم الفرق بين قيمة السيد المسيح عند مريم وقيمته عند يهوذا فانها انفقت على اكرامه عند العشاء ثلاث مئة دينار وباعه يهوذا للموت باربعمائة وخمس قروش فنتعلم من قصة يهوذا العبر الآتية
أولاً: أنه كان رسولا مختاراً من ضمن الاثنى عشر و كان رفيقاً للمسيح شاهد معجزاته وسمع تعاليمه وشريكاً لبطرس ويعقوب ويوحنا ونال من وسائط النعمة مالم ينله ابراهيم وموسي وأشعياء ودانيال ومع ذلك فانه هلك لانه لم ينزع الطمع من نفسه. فحب المال حمل جيحزي على خداع نعمان و الكذب على اليشع فأصيب بالبرص وحمل حنانيا وسفيرة أن يكذبا على الروح القس فماتا. حمل يهوذا على أن يرتكب أفظع الآثام وهو تسليم أبن الله إلى قاتليه فخنق نفسه فمحبة المال أصل لكل الشرور الذى إذ أبتغاه قوم ضلوا عن الايمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة
ثانياً: أنه لا عجب من خيبة الامل فى الاصحاب. لان السيد المسيح نفسه ذاق مرارة هذا الكأس كأس خيانة الاصدقاء وفى الحقيقة أنه قل أن يوجد صديق وفى حقيقى يركن اليه الانسان فى أوقات الضيق. لان شر أعداء المسيح كان من أقرب أصحابه كما جاء فى سفر المزامير وهذه أضرت بالكنيسة التى هى جسد المسيح فى كل عصر أكثر من كل الاعداء الخارجين عليها. وكذلك ضررالانسان لا يلحقه غالباً إلا من أقاربه وأصحابه كما هو مشاهد ومحسوس يومياً وكما يقول الكتاب بصريح العبارة أن أعداء الانسان أهل بيته والمقربون اليه.
ثم رسم لهم العشاء الربانى وهو الخبز النازل من السماء الواهب حياة للعالم. أى جسده المقدس ودمه الكريم حيث أبطل أمامهم الرمز. وأشار لهم إلى المرموز اليه. بل وقد سلمه لهم عوضاً عنه عهداً جديداً غيرالعهد الاول. كما يوضح الانجيليون ذلك فى أناجيلهم قائلين. وفيما هم يأكلون. “أى يأكلون الفصح ” أخذ يسوع خبزاً وبارك فكسر وأعطاهم قائلاً. خذوا كلوا هذا هو جسدي الذى يبذل عنكم. اصنعوا هذا لذكرى. ثم تناول كأساً وشكر وقال خذوا هذه واقتسموها بينكم لانى أقول لكم إننى لا أشرب من نتاج الكرمة حتى يأتى ملكوت الله. فالاكل الاول والكأس الاولى هما عشاء الفصح. أما الخبز الثانى والكأس الثانية فهما العهد الجديد الذي يعطى لمغفرة الخطايا. ثم بعد العشاء الفصحى وتناول العشاء الرباني و سلم التلاميذ هذا السر العظيم. انبأ له المجد إنكار بطرس إياه الثلاث المرات وتأكيده له ذلك. ثم قام وذهب الى عبر وادى قدرون حيث دخل هو وتلاميذه وهناك صلي بجهاد عظيم. حتى كان عرقه يتصبب كقطرات دم على الارض. وقد ظهر للسيد المسيح ملاك من السماء يقويه قائلا له لك القوة لك المجد لك البركة لك العزة ياعمانوئيل آلهنا وملكنا. وهى ترنيمه الكنيسة الوحيدة أيام أسبوع الآلام.
ويشترط أن يكون الجسد من خبز مختمر مصنوع من القمح النقى. كما أستعمله الرب يسوع نفسه حيث يقول الانجيليون أخذ خبزاً(أرطوس)باليونانية أى خبز مختمر وقد أستعمله الرسل أيضاً بدليل ما جاء فى سفر الاعمال حيث يذكر خبزاً ولم يذكر ولا مرة واحدة كلمة فطير وعلى هذا المثال صارت الكنيسة الارثوذكسية  تمارس هذا السر بالخبز. والدم يجب أن يكون من عصير العنب الخالص لكى يكون مماثلا لدم السيد المسيح المسفوك. كما يقول يهوذا بن يعقوب الذي طلع الرب من سبطه(غسل بالخمر لباسه وبدم العنب ثوبه) ثم يمزج الخمر عند الخدمة بالماء كما فعل السيد له المجد ولتذكار الدم والماء قد خرجا من جنب الفادى وهو علي الصليب وقد نطق الروح القدس قديماًعلى لسان سليمان فى امثاله عن الكنيسة قائلا ذبحت ذبحها ومزجت خمرها ايضاً رتبت مائدتها.
 أما الفوائد التى ينالها المومنون بتناولهم من هذا السر باستحقاق فهي كثيرة جداً منه:
أولاً: أنها تربط المشتركين فيه مع الرب أرتباطاً وطيداً وتصيرهم جسداً وروحاً واحداً فى المسيح طبقاً لقول مخلصنا له المجد: من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فى وأنا فيه. فاذن به يتم قول الرسول نصير اعضاء جسده من لحمه ومن عظامه ونصير شركاء الطبيعة الالهية
ثانياً: أن الشركة الالهية تغذى أجسادنا ونفوسنا وتوطد أيماننا فى الرب وتقدمنا فى الكمال المسيحى والنمو فى الحياة الروحية كما قال السيد المسيح: أن جسدي مأكل حق ودمى مشرب حق. كما أرسلنى الاب الحى وأنا حىّ الاب فمن يأكلنى يحيا بى. ويعلم أباء الكنيسة بان سر الشكر هو يغذى الروح والجسد معاً. ويقويهما ويحييهما ويشفيهما من كل ضعف ويقيهما من الخطايا. و يقدسها ويطهرهما من كل دنس. ويجعلهما غير متزعزعين ولا مغلوبين فى جهادهما الروحى فى سبيل التقوى والبر والصلاح .
ثالثاً: تكون الشركة الالهية بمثابة عربون لقيامتنا المستقبلة وللغبطة الابدية. كما قال مخلصنا من يأكل جسدى ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه فى اليوم الاخير, من يأكل هذا الخبز فانه يحيا إلى الابد. وبالاجمال أنه دواء لعدم الموت وتثبيت للحياة الابدية بيسوع المسيح وأن أجسادنا بعد أشتراكها بالسرالالهى لا تبقى فاسدة بل يكون لها رجاء القيامه للحياة الابدية.

(استحالة الخبز والخمر إلى جسد ودم المسيح)

 أعتقد لوثيرس أن الخبز يبقى خبزاً ولكن داخله بالإيمان جسد المسيح. والخمر يبقى خمراً ولكن داخله بالايمان دم المسيح. فنأكل ونشرب خبزاً وخمراً ولكن بالايمان نأكل ونشرب دم المسيح وقد أعتقد البعض أن الخبز هو خبز فقط والخمر هو خمر فقط بدون تغير ولا استحالة إلا أن ذلك يشيرإلى جسد المسيح ودمه. أما الكنيسة الارثوذكسية وجميع الكنائس القديمة قد أعتقدت انهما جسد المسيح ودمه الحقيقيان. وتقول انه هو الجسد الذي أخذه من مريم العذراء وهو الذى صلب على الصليب وهو الذي فى السماء وتعزز معتقدها هذا وتثبته ببراهين قوية من الكتاب المقدس. وهو من قول السيد المسيح نفسه. والخبز الذى أعطى هو جسدى الذى ابذله لاجل خلاص العالم وهو عين الخبزالذى وعد به هكذا وسماء جسده علي لسان معلمنا بولس فلو كان قول السيد هذا هو جسدي وهذا هو دمي قول مثلى أو رمزى لما كان يقول تلك الكلمة الفعالة هذا هو جسدى وهذا هودمى يؤيد ذلك ما نطق به الوحى. أن الرب يسوع في الليلة التى اُسلم فيها أخذ خبزاً وشكر وكسر وقال خذوا كلوا هذا هو جسدى المكسور لاجلكم ولذلك تحقق بأجلي بيان أن هذا السرهو جسد المسيح ودمه ليس هما مجرد تذكار بل هما حقيقيان كقوله له المجد لان جسد مأكل حق لا مجازى ودمى مشرب حق لا مجازى من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فى وأنا فيه. وقد برهن الرسول على أهمية هذا السر ويحذر الذين يتقدمون اليه بغير استحقاق قائلاً أى انسان أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استعداد وطهارة  فهو مجرم فى جسد الرب ودمه وأردف الكلام قائلا من يأكل ويشرب بدون أستحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب ودمه  وهل من عاقل يقول أن مثل هذا التهديدات والتحذيرات الشديدة هى لاجل أكل خبز وشرب خمر. أفعدل الله يقتضى هكذا أن يرمى خليقتة في الدينونة والشجب والقصاص لاجل أكل الخبز وشرب الخمر.أفيجعلنا الله مساوين للضالين ويعادل دينونة الخبز والخمر بدينونة من صلبوه.وهل يعطينا الله حصاة ويطالبنا بلؤلؤة ويعادل قيمة جسده ودمه الكريمين بقيمة الخبز والخمراللذين جعلهما الله قوتاً للانسان. فالمسألة صارت تحت أمرين أما أن يكون الخبز جسد المسيح الطاهر والخمر دمه الكريم. وحينذاك يكون موقع التهديدات الرهيبة والتحذيرات الشديدة فى محلها. وأما أن يكون الخبز لم يزل خبزاً والخمر خمراً على بساطتهما. فعدل الله لا يقتضى أن يشجب مؤمنيه ويوقعهم فى دينونة القصاص لاجل خبز وخمر بسيطين فمما تقدم عن البراهين التى أوردناها تبين لنا أنه لم يرد مطلقاً فى الكتاب المقدس أن الخبز والخمر يكونان أشارة أو علامة أو رمز على جسد ودم المسيح الاقدسين الذى له المجد والكرامة من الان والى الابد أمين.